السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
شخصية
عظيمة لطالماأُأعجبت بها وأحببتها , كانت دائما بالنسبة لي المثل الأعلى
في كل مجالات الحياة عندما أيأس من حياتي واقلق من مصيري أتصفح سيرتها
وكلما قرأتها اشعر وكأني اقرأه للمرة الأولى لان حياتها كلها عبر ودروس
ومواعظ كانت ربانية بكل ما تعني هاته الكلمة من معاني ,قرآن يمشي , كنت
أتكلم عنها كثيرا واحكي سيرتها لكل من أعرف من شدة حبي لها وإعجابي بقوة
إيمانها ...إنها الشخصية المحببة إلى القلوب والمقربة إلى الأرواح "رابعة
العدوية " امرأة جمعت الإخلاص وحب الله تعالى وسعت في الدعوة إلى الله بكل
طاقتها , إنها نموذج للإنسان المسلم الذي يبغي الفوز بالرضوان ويتطلع إلى
السعادة الكبرى , وليست سيرتها عبرة للنساء فقط ولكنها المعلم الذي يهتدي
به الصالحات والصالحون والينبوع الذي يستقي منه المخلصين والمخلصات .
فرابعة
العدوية كانت تنفح خيرا وبركة على سكان البصرة وكان يجتمع إليها رجال
العلم فيتعلمون منها فتنير لهم الطريق بحكمتها وتهديهم من حيرتهم
بطمأنينتها وتوقظهم من غفلتهم بالأعمال الصالحة وأخبارها في الصلاح
والعبادة مشهورة .
صدقوني إخواني مهما حاولت أن انقل إليكم من
سيرتها العطرة فاني أبقى مقصرة في حقها لان حياتها تستحق مجلدات وأنا قمت
باختيار بعض المواقف من حياتها وكل من أراد الاستزادة أكثر فليطلع على
سيرتها .
خوفها من النار
كانت وهي صغيرة تقول لأبيها
: "يا أبت لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه" فقال لها : "وإذا لم أجد إلا
حراما ؟" قالت : " فنصبر في الدنيا على الجوع خير من أن نصبر في الآخرة
على النار "
وقيل أنها كانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانا ,
وإذا جن عليها الليل قامت على سطح لها فنادت " ألا هدأت الأصوات وسكنت
الحركات وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك أيها الحبيب فاجعل خلوتي بك في
هذه الليلة عتقي من النار " .
وروى عنها أنها كانت تقول في مناجاتها
"الهي أتحرق بالنار قلبا يحبك؟" فهتف بها مرة هاتف : " ماكنا نفعل هذا فلا
تظني بنا ظن السوء" فتحول قلقها إلى سكينة وطمأنينة نفسية وانقلب إلى ثقة
بالله وحب له ورضا بما قدر .
زهدها في الدنيا
اشتدت
وطأة الفقر عليها وظهر عليها اثر الضر فلقيها سفيان الثوري فقال لها : "
يا أم الخير ارى حالا رثة فلو اتيت جارك فلانا لغير بعض ما ارى " فقالت :
" يا سفيان وما ترى من سوء حالي ؟ الست على الاسلام فهو العز الذي لاذل
معه والغني الذي لافقر معه والانس الذي لا وحشة معه والله اني استحي ان
اسأل الدنيا من يملكها فكيف اسألها من لا يملكها " فقام سفيان وهو يقول :
والله ما سمعت مثل هذا الكلام "
وقيل انها كانت ترد كل ما يقدم لها
من الناس وتقول مالي في الدنيا حاجة , كانت زاهدة في كل شيء لان حبها لله
كان اعظم واكبر ,فاذا غلب عليها الخوف والحزن بكت حتى يكون موضع سجودها
كهيئة مستنقع ولكي تستشعر الموت جعلت كفنها امامها وسئلت : هل عملت عملا
قط ترين انه يقبل منك ؟ " قالت : " ان كان شيء فخوفي من أن يرد" كانت
كثيرا ماتقول :" محب الحبيب لا يسكن انينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه "
وايضا كانت تقول : " تعصي الاله وانت تظهر حبه " حتى انها سئلت يوما "
ماحقيقة ايمانك ؟" قالت : " ماعبدت الله خوفا من ناره ولا حبا لجنته فاكون
كالاجير السوء بل عبدته حبا له وشوقا اليه " .
رأيها بالرضى بقدر الله
تقول
ان العبد يكون راضيا عن الله تعالى اذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره
بالنعمة . فنحن في نظر رابعة لا نستطيع ان نسأل الله الرضى لان رضاه متوقف
على شروط ينبغي ان تتوفر فينا وهي الا نغضب من المقادير التي تنزل بنا
لانها من حكمة الله فينا واحكامه جارية علينا ومن وصاياها القيمة : "
اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم" وكانت تقول :" ماظهر من اعمالي لا
اعده شيئا ".
عبادتها
كانت تصلي الليل كله فاذا
طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكانت تقول اذا وتبت
من مرقدها : يانفس كم تنامين يوشك ان تنامي نومة لاتقومين منها الا بصرخة
يوم النشور " وهكذا كانت تقضي ليلها قائمة ونهارها صائمة .
في اخر
ايامها ترحلت الى الاراضي المقدسة ولما حضرتها الوفاة نادت عبدة التي كانت
تخدمها وقالت : " لاتؤذي بموتي احدا وكفنيني في جبتي هذه " قالت عبدة
فكفنتها في جبتها وفي خمار صوف كانت تلبسه ثم رايتها بعد ذلك في منامي
عليها حبة استبرق خضراء وخمار من سندس اخضر فقلت : " يا رابعة مافعلت
بالجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف ؟ قالت : انه والله نزع عني وابدلت
به ما ترينه علي فطويت اكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها
ثوابها يوم القيامة " فقلت لها :" لهذا كنت تعملين ايام الدنيا ؟ قالت : "
وما هذا ؟ عندما رأيت من كرامة الله عزوجل لاوليائه " واخيرا قالت لها :
مريني بامر اتقرب به الى الله تعالى فقالت : " عليك بكثرة الذكر فانه يوشك
ان تغتبطي بذلك في قبرك "
وقال بعضهم كنت ادعوا لرابعة فرأيتها في منامي تقول : هداياك تأتينا على اطباق من نور مخمرة بمناديل من نور " .
الله
عليك يا رابعة عملت فنلت اللهم اجعلنا نمشي على منهجها ونسلك طريقها
فالدنيا لا تساوي شيئا والاخرة هي دار الخلود فاللهم ارفع درجاتها ووفقنا
الى حب عبادك الصالحين حتى نحشر في زمرتهم .
اميييين يا رب العالمين
و هذه الأبيات من شعر رابعة العدوية في نظري
من أروع ما كتب في حب الله عز و جل :
أحبك حبين : حب الهوى..
وحبا لأنك أهل لــذاكـــــــــا
فأما الذي هو حب الهوى..
فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له..
فكشفك للحجب حتى أراكا