ما يجب معرفته بخصوص التّوراة والأناجيل :
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنّه أنزل التّوراة على موسى والإنجيل
على عيسى ، عليهما السّلام ، وأنَّه أَوْكَلَ إلى أتباعهما حِفْظَ
الكتابَيْن من أن تقع فيهما زيادة أو نقص أو تحريف .
يقول
تعالى بخصوص التَّوراة : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى
وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ
هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ
كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ 44 } (5-
المائدة 44) .
فالله تعالى جعلَ إذًا الأحبارَ حَفَظَةً على التَّوراة . لكنَّهم لم يُحافِظوا عليها ، وحرَّفُوها وبدَّلُوا فيها حَسْب أهوائهم ، فأصبحتْ خليطًا مِن حَقّ وباطل .
ففضَحهم
الله تعالى : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ
ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا يَكْسِبُونَ 79 } (2- البقرة 79) .
وقال
أيضًا عنهم : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ
بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ الله
وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 78 } (3- آل عمران
78) .
وقال
أيضًا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ 44 وَالله
أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِالله وَلِيًّا وَكَفَى بِالله
نَصِيرًا 45 مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ
وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَلا
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً 46 } (4- النّساء 44-46) .
وقال
: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 71 } (3- آل عمران71) .
وقال
: { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 75 } (2- البقرة 75) .
وقال
: { وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ الله
عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ
بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ
تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ
يَلْعَبُونَ 91 } (6- الأنعام 91) .
وقال
: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ الله مِنَ الْكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 174 } (2- البقرة 174) .
وقال
: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ
كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ 15 } (5-
المائدة 15) .
كلُّ
هذه الآيات إذًا تُبَيّنُ أنَّ أحبار اليهود لَم يُحافِظُوا على التَّوراة
التي أُنزِلَتْ على موسى عليه السَّلام، وحذفُوا منها وزادُوا مِن عندهم
كما طاب لهم ! وعليه ، فإنَّ التَّوراة الموجودة اليوم بين أيدي اليهود مُحَرَّفة بشهادة الله في القرآن .
ولِلْعلم
، فإنَّ هذه التَّوراة ، والتي ينسبُها اليهودُ إلى موسى عليه السَّلام ،
تتكوَّن من خمسة أسفار ، هي : سفْر التَّكوين ، وسفْر الخروج ، وسفْر
اللاَّويّين ، وسفْر العدد ، وسفْر التَّثنية .
ولكن هناك أسفارٌ أخرى ينسبُها اليهود إلى أنبياء بني إسرائيل :
-
منها أسفار تاريخيَّة ، وعددُها اثنَا عشر ، وهي : سفْر يشوع ، سفْر
القضاة ، سفْر راعوث ، سفْر صموئيل الأوَّل ، سفْر صموئيل الثَّاني ، سفْر
الملوك الأوَّل ، سفْر الملوك الثَّاني ، سفْر أخبار الأيَّام الأوَّل ،
سفْر أخبار الأيَّام الثَّاني ، سفْر عزرا ، سفْر نحميا ، سفْر أستير .
-
ومنها أسفار الشّعر والحكمة ، وتُنسَبُ أغلبُها إلى داوُد وسليمان عليهما
السَّلام ، وعددها خمسة ، وهي : سفْر أيُّوب ، سفْر المزامير ، سفْر
الأمثال ، سفْر الجامعة ، سفْر نشيد الإنشاد .
- ومنها الأسفار
النَّبويَّة ، وعددها سبعة عشر ، وهي : سفْر أشعياء ، سفر أرمياء ، سفْر
مراثي أرمياء ، سفْر حزقيال ، سفْر دانيال ، سفْر هوشع ، سفْر يوئيل ، سفْر
عاموس ، سفْر عوبديا ، سفْر يونان ، سفْر ميخا ، سفْر ناحوم ، سفْر حبقوق ،
سفْر صفينا ، سفْر حجي ، سفْر زكريَّا ، سفْر ملاخي .
هذا إذًا بخصوص التَّوراة .
أمَّا عن الإنجيل ،
فيقول
الله تعالى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ
الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 46 } (5- المائدة 46) .
ويُصرّح الله تعالى في آية أخرى أنَّ مجيء النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مذكُورٌ في التَّوراة التي أُنزلتْ على موسى وفي الإنجيل الذي أُنزل على المسيح عيسى ، عليهما السَّلام ، فيقول
تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ 157 } (7- الأعراف 157) .
فالرَّسولُ
النَّبيُّ الأُمّيُّ المذكور هنا ، هو محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
وحتَّى لا يترُكَ اللهُ تعالى لنا مجالاً للشَّكّ في هذا الأمر ، ذكَر في
آية أخرى أنَّ المسيح عيسى عليه السَّلام بَشَّر أتباعَه أنَّه سيأتي من
بعده نبيٌّ يُسمَّى أحمد (وهو محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم) .
يقول
تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ
إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
6 } (61- الصّفّ 6) .
لكنَّ المسيحيّين لم يتحدَّثُوا أبدًا بهذه البشارة ، وعندما جاء النَّبيُّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم كَفَرُوا بِنُبُوَّته !
وإذا كان أحبارُ اليهود قد حرَّفُوا توراة نبيّهم ، فإنَّ المسيحيّين أضاعُوا الإنجيل
الذي أُنزِلَ على المسيح عيسى عليه السَّلام ، ثمَّ كتبُوا من عندهم
كُتُبًا عديدة أسْمَوْها أناجيل ، وضمَّنُوها عقائد مُحرَّفَة بعيدة كُلَّ
البُعد عن شريعة نبيّهم عليه السَّلام ! بل ووصل بهم الأمر أن ادَّعَوْا أنَّ المسيح ابنُ الله ، تعالى اللهُ عن قولهم عُلُوّا كبيرًا !
فردَّ اللهُ تعالى على ادّعائهم هذا ردّا عنيفًا في مواضع عديدة من القرآن الكريم ، من ذلك قوله
تعالى : { وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ 30 اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 31 } (9- التّوبة 30-31) .
وسنتحدَّثُ عن هذا الأمر بالتّفصيل ، في عناصر لاحقة من هذا القسم بإذن الله .
هذا إذًا بعض ما ذكَره القرآنُ عن التَّوراة والإنجيل .
أمَّا الباحثون في تاريخ الدّيانات ، فيقولون أنَّ التَّوراة الأصليَّة التي أُنزِلتْ على موسى عليه السَّلام أُتْلِفَت بعد موته
خلال حرُوب بني إسرائيل مع بعض الملوك الطُّغاة ، مثل
بُخْتنصرNabuchodonosor II سنة 586 قبل ميلاد المسيح . فحاولوا فيما بعدُ
كتابتَها من جديد بالاعتماد على ذاكرتهم ، فخلَطوا فيها كثيرًا من
المعتقدات البعيدة عن شريعة نبيّهم !
والتَّوراةُ الموجودة عند اليهود اليوم منقولة عن مخطوطات مختلفة ، كَتَبَها كُتَّاب مختلفون ، ليس في حياة موسى عليه السَّلام ، وإنَّما بعد وفاته بأكثر من 1500 سنة .. فقط ! فهي إذًا، بشهادة المؤرّخين، ليست التَّوراة الأصليَّة .
وبالنّسبة للإنجيل الذي أُنزلَ على المسيح عيسى عليه السَّلام والمذكُور في القرآن الكريم ، فلَم يَجِد المؤرّخون له أثَرًا !
ولكنَّ الذي ثَبتَ لَدَيْهم أنَّ بعضَ تلاميذ المسيح عليه السَّلام وبعضَ
مَن جاء بعدَهم، كتَب كلّ واحد منهم كتابًا عن سيرة هذا النَّبيّ الكريم
وأقواله وتعاليمه ، ولم يَقصد أبدًا من كتابته أن تُصبح مقدَّسة .
فكانت هذه الكُتب تُسَمَّى "موعظة " ، ثمَّ أُطلِقَ عليها اسم " مذكّرات
الرُّسُل " ، وذلك حوالَيْ سنة 150 م ، ثمَّ سُمّيَت أناجيل ، وذلك عندما
شعُرت الكنيسة بضَرورة أن يكون لديها أسفارٌ مُقَدَّسة مثل التي عند
اليهُود ! ثمَّ بدأت الخلافات بين الكنائس في اختيار الأناجيل التي يُمكنُ اعتمادها ، وفي ترتيبها في الكتاب المقدَّس !
وفي
سنة 325 م ، عُقِد أوَّل مجمع للكنائس Concile de Nicée بِطَلب من
إمبراطور روما قسطنطين الأوَّل ، وكان الهدف منه الفصل في الخلاف الحاصل
حول حقيقة المسيح عليه السَّلام . وانفضَّ المجمع بإقرار أنَّ المسيحَ ابنُ
الله ! وتَمَّ اختيار أربعة أناجيل فقط من بين حوالي سبعين إنجيلاً !
وهذه
الأناجيل الأربعة هي المعتَمَدة اليوم عند مختلف فِرَق المسيحيّين ، وهي :
إنجيل متى Saint-Matthieu ، وإنجيل مرقس Saint-Marc ، وإنجيل لوقا
Saint-Luc ، وإنجيل يوحنَّا Saint-Jean .
ومَنْ تأمَّل فيها ، وجدَ بينها اختلافات جوهريَّة كثيرة . ويمكن الرُّجوع في هذا الأمر إلى أيّة موسوعة غربيَّة عن الدّيانات .
ويُضيف
المسلمون أنَّ هذه الأناجيل ليس هناك ما يُثبتُ صحَّة نسبتها إلى أصحابها ،
وأنَّها ليست مقدَّسة لأنَّها عملٌ بَشَري ، وأنَّ فيها أقاويل مغلوطة لا
يمكن أبدًا نِسْبَتها إلى الله تعالى ولا إلى نبيّه الكريم عيسى عليه
السَّلام .
وسنذكر في عناصر لاحقة أمثلة عن ذلك ، وسنذكر أيضًا أمثلة عن التَّحريفات الموجودة في توراة اليهود .
ثمَّ
إنَّ أيَّ باحث عن الحقيقة بإخلاص ، يستطيع بفطرته السَّليمة وبعقله أن
يتفطَّن ، من خلال قراءته لهذه الكتب ، إلى أنَّ فيها أقاويل لا يمكن أن
تصدر عن خالق هذا الكون أو عن أحد أنبيائه الكرام .